تصنّف تيارات الفكر العربي المعاصر من حيث نمط الوعي بالحداثة الغربية إلى ثلاثة تيارات
العصرانيون الذين يدعون إلى تبني النموذج الغربي بوصفه تموذج للإنسانية
السلفيون الداعون إلى استعادة النموذج العربي الإسلامي كما كان قبل الإنحراف والإنحراف والإنحطاط
الإنتقائيون الذين يدعون إلى الأخذ بأحسن ما في النموذجيْن : الجمع بين الأصالة والعاصرة
لكن نخبة أخرة من المفكرين العرب لم تكتفي بمجرد التقليد أو الرفض البسيط بل سعت إلى نقد
سلوك العرب تجاه الحداثة الغربية الذي يتسم بالتجزيئ وانعدام الرؤية الشاملة، ومن هؤلاء المفكريْن المغربيين عبد الله العروي والدكتور طه عبد الرحمن.
بالنسبة لعبدالله العروي، ينتقد الوعي الديني بالحداثة العاجز برأيه عن ادراك الحداثة في شموليتها وفي تاريخانيتها. كما ينتقد الوعي السياسي بالحداثة الذي يرى أنه موقف إسقاطي لأنه لا يري في الحداثة سوى جانبها الليبرالي بعد أن يقتلعها من جذورها التاريخية ويسقطها اسقاطا على الواقع العربي.
والحل برأيه هو في أخذ الحداثة ككل بآلياتها وقيمها. والطريق للوصول إلى ذلك هو النظر إلى الحداثة على أنها انتاج يتنزّل في سياق تاريخي محدد، وأنها ظاهرة تشمل الحالة الانسانية جمعاء. وبالتالي إما ان نأخذ بها فنكون حداثيين وإما أن نرفضها فنكون لا تاريخيين. وليس أمامنا كعرب سوى القبول بالحداثة الغربية كما هي.
أما الدكتور طه عبد الرحمان، فينطلق من القول أن الوعي المقلّد للمتأخرين أو المقلّد للمتقدمين لا يمكن أن يحقق نقلة حضارية ، وبذلك لا يختلف "العصراني المقلّد للغرب" عن "السلفي المقلّد لعصور سابقة حتى لو كانت إسلامية"
كذلك ينتقد طه عبد الرحمان الرؤية التجزيئية للحداثة حيث يقع الفصل بين روح الحداثة وواقعها. ومن هناك يعتقد المفكّر المغربي أن الحداثة عبارة عن امكانات متعددة ، وليست كما توهمنا نخبتنا "الحداثية"أن هناك نسخة واحدة من الحداثة إما أن نقلدها أو نحكم على انفسنا بأن نكون خارج التاريخ.
انطلاقا من هذه الرؤية المتعددة للحداثة، يخلص طه عبد الرحمان إلى أن كل ثقافة وحضارة يمكن أن تنتج حداثتها الخاصة، وبالتالي كما وجدت حداثة ذات روح يهودية مسيحية، يمكن ان توجد حداثة ذات روح عربية إسلامية. ولا تتحقق اي حداثة برأي هذا المفكّر إلا بتوفّر ثلاثة مبادئ هي الرشد، والنقد، والشمول.
من هنا يخلص الكاتب إلى ان التحوّل الحضاري المنشود لا يتحقق عبر استيراد منتجات الواقع الحداثي الغربي بل عبر نقدها والوعي بمحدودية هذا النموذج الحداثي وتأسيس نمط حداثي
منسجم مع روح الحضارة الاسلامية.