Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
مدوّنة التفكير الحر

هذه المدونة مساحة للتفكير الحر، ولنشر قراءات ومطالعات وتعليقات نقدية

المجتمع الإسلامي ومشكلة التجديد : من أين نبدأ؟/ محمد سمير سرحان

Publié le 26 Mars 2019 par عبد الحفيظ العبدلي، صحفي عربي مقيم في سويسرا

يصعب علينا صراحة تحديد نقطة البداية لأن ذلك رهين بالعقليات والإرادة القوية لدى الفرد و المجتمع، ومن ثم سنحاول أن نقف عند بعض النقاط التي من شأنها أن تسهل لنا مجال البحث والدراسة للحقل المعرفي في التراث الإسلامي، إلا أننا لا ندعي دراسته دراسة شمولية لأن هذا أمر صعب إلى حد بعيد.
دعني أولا أشير إلى أن تطور الأمة الإسلامية رهين بتطور العقليات والأفكار، وبالتالي فهي مطالبة ــ الأمة ــ بتجاوز مجموعة من العراقيل التي ربما كانت سببا في إفشال المشروع الحضاري لها، وهنا نتحدث عن التجديد داخل الساحة الفكرية المعاصرة، ومنه نطرح السؤال: ماهي العوائق التي حالت دون إنجاح المشروع الحضاري الذي تبناه المجتمع العربي المعاصر؟

إنه مما لا شك فيه أن المجتمع العربي قد غلبت عليه مجموعة من الإيديولوجيات وأثرت فيه بشكل كبير، منها التي دعت إلى التجرد من الهوية والانسلاخ من الثقافة وبالتالي الخروج من ذلك الحيز الزماني والمكاني للمجتمع؛إلى أين؟ لست أدري، لكن لا يمكن بأية حال لأي مجتمع ان يتجرد من هويته الثقافية ومعتقده الديني لأجل النهوض والإصلاح، وكما هو معلوم أنه لابد للمجتمع إذا أراد أن يتقوى أن يكون متشبثا بهويته وثقافته وتاريخه على وجه الخصوص الذي يحدد شخصيته لدى الآخر، وبإمكانه أيضا أن يحدد مصيره، ولو أننا رجعنا إلى التاريخ الذي يحكي حياة أجدادنا وأسلافنا لربما ساعدنا ذلك في الخروج من المأزق والنهوض من الأزمة، ولست هنا أدعو إلى قراءة التاريخ بطريقة حكواتية ، أي نجعله مجموعة من القصص والحكايات للتسلية فقط، بقدر ماهو سرد لمجموعة من الأحداث الواقعية التي يمكن أن نستثمرها بطريقة علمية تجعلنا نضبط أخطاء الماضين والقفز عليها لا إعادة تكرارها، كما نجد ذلك في المنهج القرآني، فإن الله تعالى لما قص على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أخبار السابقين، إنما أراد بذلك العبرة من أخطائهم لتجاوزها والقفز عليها، لكن مشكلتنا نحن اليوم أننا أخذنا التاريخ وجعلناه جامدا، وهذا موضوع آخر لا أريد الاسترسال فيه، إنما ذكرته تجاوزا.


أظن أن مشكلة المجتمع الإسلامي اليوم أنه مجتمع يقدس الأفكار ويغلق باب الإجتهاد وبالتالي فهو يبقى في حلقة مفرغة، ولقد كان هذا سببا في تخلف الأمة إلى يومنا هذا.فما الحل إذا ؟


"يبدو لنا اليوم أنه من الضروري عقليا نبذ كل تأليه للعقل،أي نبذ كل عقل مطلق ومكتف بذاته. يجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار إمكانية تطور العقل"[1]، لقد ركزت على هذه النقطة بالضبط لأن العقل هو مصدر الإبداع ومنه ينشأ الإمكان الوجودي والاستقلال الفكري لكل مجتمع مجتمع، وإذا ما تم تعطيله فإنه على الفور سنعلن موت الإنسان، بل وموت المجتمع، وهذا بالضبط ما حصل مع المجتمع الإسلامي.


إننا نبحث اليوم عن فكر مجدد مبدع وخلاق، لا حاجة لنا بالفكر المستهلك فإنه لا يفيد في شيء إلا تأزم الوضع وخراب المجتمعات، وأظن أننا لم نقدم لحد الآن أي إسهام يرقى بنا للمشاركة في البناء الحضاري والتطور العلمي والتغيير من أجل التغيير وتحقيق الأفضل.


لقد انتقل المسلمون من الخلق والتحويل إلى الجمود  والثبات، فبعد أن كان المسلمون يبدعون ويتفننون في كل المجالات الفكرية من أدب و فنون وفقه وأصول وفلسفة وكلام...، أصبحوا اليوم منحصرين فيما خلفه الأسلاف يتنازعون حوله وكل منهم يقدس عالما ما أو مفكرا ما ويسب ويلعن كل من تعرض له بالنقد."والنتيجة أننا تغيرنا بخلاف ما نريد، وأننا لم نحسن المحافظة على الثوابت واستمرارها بصورة خلاقة"[2]، أي بمعنى آخر أن السلف لما صنفوا وأبدعوا وخالفوا من قبلهم لم يكن ذلك منهم تمردا بقدر ما كان محاولة للإسهام في استمرار تطوير ديناميكية الفكر والعلوم وتطوير المعارف والقدرات وبالتالي تطوير المجتمع، بينما جعلناها نحن اليوم وضعية لا تعدو أن تكون مجرد معلومات لا تسمن ولا تغني من جوع.


إننا نبحث اليوم عن ثورة فكرية تقف أمام كل ما يدعو إلى جمود الفكر والانغلاق على الذات.وهنا أود أن أشير لمسألة مرتبطة بالموضوع تخص الفقه الإسلامي وإن كنا سنذكرها تجوُّزا، لكن لماذا أصبح الفقه جامدا؟


أتصور أن العامل الأساس راجع لكون الجيل الصاعد لا يتوفر على أرضية خصبة في المجال الشرعي وأخص بالذكر الفقه وأصوله، وبالتالي فهو أصبح يتعامل مع مثل هذه العلوم على أنها مواد دراسية فقط وليست علوما اجتماعية لا يمكن دراستها إلا داخل المشاكل(النوازل) التي يطرحها المجتمع المعاصر. لقد كان دور الفقيه في زمن مضى كدور السياسي اليوم،ذلك أنه لم يكن معتكفا على دراسة الكتب فقط أو جالسا على أريكته يفتي في مسائل الحيض والنفاس كما تحاول أن تصوره لنا بعض التصورات المعاصرة، لقد كانت البيئة التي ينشط فيها الفقيه هي الأسواق تجده يتجول ويخاط الناس ليعلم أحوالهم وما يجري داخل المجتمع خلافا لما عليه الحال اليوم.
لقد ذكرت مثال الفقيه لأن الجمود الفكري من هذه الناحية جعله هو الآخر يبدو مقلدا كعامة الناس مما جعل المجتمع يستغني عن خدماته إلى حد كبير، وهذا لكونه لم يجد فيه ذلك الفقيه المجتهد الذي يحيط بنوازل الأمة، ولست هنا أعمم القول وعلى أية حال فهذا موضوع يحتاج دراسة مستقلة وأوردناه هنا كمثال فقط.


إننا اليوم نحتاج لنقد التراث العربي لتجديده والخروج من أزمة التقليد والخمول، وذلك يستدعي شرطان أساسيان:
الشرط الأول: أن يكون من داخل التراث"وتجديد الفكر لا يمكن أن يتم إلا داخل الثقافة التي ينتمي إليها"
الشرط الثاني: أن نجري على التراث نقدا لأجل تبني العقلانية النقدية فيه[3]


ولا أعني بنقد التراث هدمه وطمسه، ولكن أقصد بذلك النقد البناء القائم على الموضوعية البعيد عن الصراعات الإيديولوجية، لأجل إحياءه واستثماره والمشاركة به في المشروع الحضاري للأمة. ولذلك قلت إننا بحاجة لثورة فكرية لنقد التراث وتمحيصه وهدم تلك الأصولية التي تدعو إلى تقديس الأفكار والإلتزام بما جاءت به دون استنطاقها وتمحيصها، وجه آخر من وجوه الجمود الفكري في المجتمع الإسلامي؛هوتلك النرجسية الثقافية التي أصبحنا نتبناها وندافع عنها، وأعني هنا الإنغلاق على الذات ونبذ الآخر المخالف، بل وربما أحيانا رميه بالسفه والفسق...، فالامتناع عن الانفتاح على الآخر كان سببا في تأخر الأمة، ولا داعي لأن نخفي ذلك أو نعطيه مبررات للتستر عليه."نحن نرزح تحت عبء التراث القديم وفي مواجهة مع التراث الغربي المعاصر، فينا من كل تراث جزء دون أن تتحقق وحدة الشخصية بين القديم والجديد"[4]، وهذا ما شكل لدينا شرخا في الشخصية العربية والإسلامية، فلا نحن تبنينا القديم فنسمى قدماء ولا نحن تماهينا مع الجديد فنسمى بذلك مجددين، لقد بقينا مدبدبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.


إننا اليوم في حاجة إلى ولادة جديدة تخرج من رحم التراث القديم وتجسد لنا الواقع المعاصر، وبالتالي نكون قدمنا محاولة في نقد التراث وتجديده لا تقديسه وتقليده، وإن كان الأمر يحتاج طاقة أكثر ويشكل لنا بعض العناء إلا أنه في النهاية يستحق ذلك، سنجد أنفسنا أمام قراءة جديدة للواقع والتراث تصفه وتفكك شفراته وتجعلنا غير مقصيين من المشاركة في ركب التطور والتجديد والبناء الحضاري.

Commenter cet article